كلمة
العدد
يجب
أن نظلّ طُلاَّبًا للحق ، مهما نبا بنا الزمان ، وعدا علينا المكان
وقد
ضرب لنا في ذلك محمد ﷺ المثل الأعلى
بجميع مواقفه
ظلّ النور الإلهي – الإسلام – يواجه منذ اليوم الأوّل محاولات متّصلة للإطفاء ؛ ولكن أبى الله إلاّ أن يتمّه رغم كره الكارهين ، من الكافرين والمشركين والمنافقين ، وكل نوع من أعداء الدين . يقول عزّ من قائل :
«يُرِيدُوْنَ
أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللهُ إلاّ أن يُتِمَّ
نُوْرَه وَلَوْ كَرِهَ الْكـٰـفِرُونَ»
(التوبة/32)
«يُرِيْدُونَ
لِيُطْفِئُوا نُورَ اللهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْكَرِهَ
الْكـٰـفِرُونَ o هُوَ الَّذِيْ أَرْسَلَ رَسُوْلَه بِالْهُدَىٰ وَدِيْنِ
الحَقِّ لِيُظْهِرَه عَلَى الدِّيْنِ كُلِّه وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُوْنَ»
(الصف/8-9)
فالإسلامُ لم تمنعه عقباتُ الزمن بأنواعها
كلّها عن التقدم والانتشار ، والانتصار تلو الانتصار ، بل ظلّ يواصل المدّ
المتنامي ، والامتداد المتصاعد ؛ فعمَّ الشرقَ والغربَ ، وفرض سلطانَه على العالم
كله ، و وَسِعَ الأبيضَ والأسودَ ، واستوعب القاصيَ والدانيَ، ودخل فيه الناسُ
أفواجًا ، ولا زالوا يدخلون فيه أفواجًا ، رغم جميع العقبات والكراهيات التي
يزرعها الأعداء في سبيله .
وذلك
لأنّ نبيّ الإسلام سيدنا محمدًا ﷺ
ثـَبَتَ على الدعوة إليه وتبليغه الناس ثباتًا لم تعرفه الجبال الراسيات ؛ فلم
تزحزحه عن قصده الشريف المحاولاتُ الخبيثة بأصنافها التي بذلها أنصارُ الباطل
وسَدَنَةُ الضلال ؛ لتحول دونه و دون الغاية العليا التي كان بسبيل تحقيقها ، ولقي
نجاحًا لم يلقه أيّ من إخوانه الأنبياء والمرسلين ، فضلاً عن عامة المصلحين من
غيرهم .
كانت البيئةُ والملابساتُ تقتضي أن يكون لها
سلطان على نفسه ﷺ ، ولا يثبت على الحق الذي بُعِثَ به وكُلِّفَ الدعوةَ إليه
، الثباتَ الذي كان نصيبَه ؛ فقد وُلِدَ في بيت توارث الرياسة كابرًا عن كابر : عن
هاشم عن عبد مناف عن قصيّ .. هذا البيت الذي دانت له الرقاب ، واستأثر في مكّة
بالعز التليد والسلطان المزيد ، وانفردت قبيلته قريش بسدانة الكعبة ، والسقاية
والرفادة ، والقيام على دين العرب ، ورعاية آلهتها ، واحتضان أصنامها . وحازت إلى
ذلك جميع المناصب والمسؤوليات التي أعلت مكانتها لدى جميع العرب ، ورفعت ذكرها في
المجتمع العربي الواسع ، وزادت حرمتها بين جميع القبائل الدانية والقاصية .
ولكن هذا الرصيد الضخم من الإرث المجيد ،
والجاه العريق ، والشرف التليد ، لم يشكّل عائقًا دونه ودون نشدان الحق والثبات
على المبدأ النبيل ، ولم يمنعه عن مواصلة الجهد لأداء الأمانة التي كُلِّفَ إيّاها
، وتبليغ الرسالة التي حُمِّلَ مسؤولية تبليغها ، كما يمنع أقلُّ من هذا التراث
العظيم من الشرف المتوارث أغلبَ الناس عن طلب الحق ، والاجتهاد من أجله ، وعن
الثبات عليه ؛ ولكنّ النبي ﷺ لم يبالِ بهذا المجد القبلي ، والشرف القومي ، والعزّ
الأسري ؛ بل سَفَّهَ أحلام آبائه ، وعاب آلهتَهم ، وأهان أصنامَهم ، ودعا إلى هدم
ذلك النظام الديني الذي كان مفخرة لدى العرب ، ومدار سلطان عشيرته فيهم .
ونال
ﷺ
من قبل رؤوس عشيرته من التدليل والرعاية ما كان كافيًا أن يصرفه عن الحق إلى دين
آبائه ؛ ولكنه لم يؤثر غير الحق ، ولم يسكن إلاّ إلى الثبات عليه . فقد تلقّاه منذ
اليوم الأول كلٌّ من بني عبد مناف وبني هاشم والمطلب برعاية لم يكن نصيبَ أي من
صبية هذا البيت الشريف ؛ فكان الوحيد من الأبناء والأحفاد الذي كان يجلس على فراش
جده العظيم عبد المطلب بن هاشم سيد القوم بلا منازع ؛ فقد روت كتبُ التاريخ أن عبد
المطلب – جد النبيّ ﷺ – كان يُمَدُّ له
فراش في ظل الكعبة الشريفة ، وكان أبناؤه الكثر يجلسون حول الفراش ينتظرونه حتى
يخرج إليهم ، ولايجلس قط أحد من بنيه على فراشه اِحترامًا له وإجلالاً لشأنه ؛
ولكن النبي ﷺ وهو صبيّ قد يخرج ،
ويجلس على الفراش، فيمسك به أعمامُه ليؤخروه عنه ، فيقول لهم عبد المطلب : دَعُوْا
ابني فإنّ له لشأنًا ، ثم يأخذه ويجلسه ويدلّله ، ويُسَرُّ بتصرفاته البريئة .
وهذا عمّه أبوطالب يستعدّ للرحيل إلى الشام في تجارة له ، فلما كاد يتحرك يتعلّق
به ﷺ
، فيرقّ له أبوطالب ولا يسعه أن يسير إلى الشام إلاّ مصاحبًا له ؛ ولكنّ هذا البرّ
والحنو من قبل العمّ الكريم لايمنعه عن إيثار الحق على غيره عندما تُوْفِدُ قريش
زعماءها إلى أبي طالب تنذره الإنذارَ الأخير
الحاسمَ ، وتطلب إليه أن يمنع ابن أخيه عن «غلوائه» التي لا يزال يسدر فيها ، أو تنازله حتى يهلك أحد
الفريقين. ويعظم الأمر على أبي طالب الحاني على ابن أخيه حنوَّ المرضعات على
الفطيم ، ويخشي الإنذار الذي أطلقته الزعماء ، ويأخذه بجديّة ؛ فيبعث إلى محمد ﷺ يقول له : إنّ قومك قد أنذروني ؛ فأبْقِ عليّ وعلى نفسك ،
ولا تُحَمِّلْنِي من الأمر ما لا أطيق ، فلا ينهار فزعًا ولا يطير قلبه فرقًا ،
ولا يتنازل عن الحق قيد شعرة ، ولا يرضى بالمساومة عليه بشكل ، ولا
يهمّ – على شاكلة المُغْرِضِين وعبيد الأهواء – بالاتّفاق على تقاسم «الأرباح
والمنافع»
أو على «الأخذ
والردّ»
بل يُعْلِنُها عزيمةً لاتُزَال و عقيدةً لاتُحَال: يا عمِّ ! والله لو وضعوا الشمس
في يميني ، والقمر في يساري ، على أن أترك هذا الأمر حتى يُظْهِرَهُ الله، أو أهلك
دونه ، ما تركتُه !. وبكى ﷺ
وقام. فلمّا ولّى ناداه أبوطالب : أَقْبِلْ يا ابن أخي!. فأقبل . فقال : اِذْهَبْ
يا ابن أخي ! فقل ما أحببتَ ، فوالله لا أسلمك إليهم أبدًا .
العمُّ
العطوف على ابن أخيه عطفًا لم ير الدهر مثيله يواجه الإنذار النهائي من قومه ، ومن
ورائهم دهماء العرب ، يستعطف ابن أخيه ويهمس في أذنه ؛ ليتنازل شيئًا عن الحق
ويتراجع قليلاً عن رأيه ، فلا يجد منه إلاّ الإباء الأبيّ ، والإصرار المُصِرّ،
والثبات الثابت . إنّ مثل هذا الموقف لم يكن ليقفه إلاّ مثل محمد ﷺ
، الذي يقفه وهو محاطٌ بالأعاصير ومُحَاصَرٌ بالشدائد والتهديد الجادّ من نخبة
قومه وخيرة العرب ، مما يدلّ على حبّه الصادق للحق الذي نهض به وعلى ثباته الأنوف على العقيدة التي دعا إليها . وفي
الوقت نفسه يدلّ على صفات السماحة وسعة الصدر ، والمروءة والوفاء ، والتكافل
واحترام حريّة الرأي ، والصبر لذوي القربى على المكاره ، التي كان يتحلّى بها
العمّ الكريم الذي ظلّ على دين آبائه ؛ ولكنّه تعاطى الخصال المذكورة مع ابن أخيه
بنحو لم يعرف العالم نظيرًا له .
وهذا
أعزّ فتى في قريش ، وأبعدهم آنذاك عن دين محمد ﷺ
، وهو حمزة بن عبد المطلب ، الذي أُوْلِع بالصيد ، وضَرِيَ بالقنص ، يداوم على
الخروج له ، والطواف بالكعبة عندما يرجع من صيده . ويحدث ذات يوم أنه يرجع من
القنص ، ويطوف بالكعبة ، ويعبد الأوثان ، فتقول له جارية : إنّ أبا الحكم بن هشام
– أبا جهل – سبّ ههنا محمدًا ونال منه الأذى والعنت، ولم يكلمه محمد . وما إن يسمع
حمزة مقالَ الجارية ، حتى يستشيط غضبًا ، ويتوجّه إلى أبي جهل وهو بين ظهراني جمع
من قريش ، فيضربه بالقوس ، ويصيبه بشجة منكرة ، قائلاً له : أتشتمه ؟ فأنا على
دينه أقول ما يقول !.
إنّه
لوفاءٌ وفيٌّ وبرٌّ بارٌّ بمحمد ﷺ
من أعز فتى في قريش ، إنه يخرج على دين القوم ويثور عليهم انتصارًا لكرامة ابن
أخيه ، وسخطًا على الذين استهدفوا حريته في التصرف وفي العقيدة، ورأيه في اختيار
دين غير دين آبائه .
لكنّ هذا البرّ الكبير به من قبل عمّه
العزيز، لايجعله يبرح عقيدته ، وينسحب قدرَ ذرّة من الحق الذي كان يتصدّى للدعوة
إليه ، ولا يتزحزح من موقفه الثابت ؛ بل يصمد أمام العواطف النسبيّة ، والمشاعر
العشيريّة ، والانطباعات الجميلة النبيلة التي كان يحملها هو نحو روح الوفاء والبر
، التي بذلها له عمّه في سخاء ؛ ليقف بجانب الحق ، ويثبت عليه ، رغم كامل التقدير
لحرمة العمومة ، وكرم الوفاء ، وصدق البرّ .
وهناك موقف صعب للغاية تجاوزه محمد ﷺ في نجاح أي نجاح : هذا عتبة بن ربيعة – أبو الوليد – كبير
قريش وأحد ساداتها في الجاهلية ، وكان يُوْصَفُ بالرأي والحلم والفضل ، وكان
خطيبًا نافذ القول ، تندبه قريش ليفاوض عنها وعن العرب كلها محمدًا ﷺ ، فيجتمع به بجنب الكعبة ، ويقول له : يا ابن أخي! إنّك
منّا حيث قد علمتَ ، من البسطة في العشيرة ، والمكان في النسب ؛ وإنّك قد أتيتَ قومَك بأمر عظيم ، فرّقتَ به جماعتَهم ، وسفّهتَ به
أحلامَهم ، وعِبْتَ به آلهتَهم ودينَهم ، وكَفَّرَتَ من مضى من آبائهم ؛ فاسمع
منّي أعرض عليك أمورًا تنظر فيها ، لعلّك تقبل بعضَها . فيقول محمد ﷺ : قل يا أبا الوليد ! فيقول عتبة : إن كنتَ إنّما تريد بما
جئتَ به مالاً ، جمعنا لك من أموالنا ، حتى تكون أكثرنا مالاً ؛ وإن كنتَ تريد به
شرفًا ، سودّناك علينا ، حتى لا نقطع أمرًا دونك ؛ وإن كنتَ تريد به ملّكاً ،
ملكناك علينا ؛ وإن كان هذا الذي يأتيك رَئِيًّا تراه لا تستطيع ردّه عن نفسك ،
طلبنا لك الطبّ ، وبذلنا فيه أموالَنا ، حتى نبرئك منه ؛ فإنّه ربّما غلب التابع
على الرجل ، حتى يُدَاوَىٰ منه .
وعندما
يُنْهِي عتبةُ مقالتَه ، يقول له محمد ﷺ
: اسْتَمِعْ منّي يا أبا الوليد :
«بسم
الله الرحمن الرحيم : حـٰـم تَنْزِيْلٌ مِنَ الرَّحْمـٰـنِ
الرَّحِيْمِ كِتـٰـبٌ فُصِّلَتْ آيـٰـتُه قُرْآنًا عَرَبِيًّا
لِقَوْمٍ يَعْلَمُوْنَ بَشِيْرًا وَنَذِيْرًا فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ فَهُمْ
لاَيَسْمَعُوْنَ» (فصلت /1-4) وكان
ذلك هو ردّه على ما عرضت عليه قريش على لسان عتبة أحد ساداتها ؛ فلم يلن للمغريات
التي عرضتها عليه ، ولم يؤثر فيه الرفق والتعاطف الذي أبدته له ، فلم تكسب قلبه
لصالح دينها وآلهتها ، ولم تقدر على استمالته للتنازل عن أيّ جزء يسير من الحق
الذي بعثه الله به.
إنّ محمدًا ﷺ كان المثلَ الأعلى للثبات على الحق ، والصمود في وجه جميع
المغريات الماديّة والمعنوية التي كان من شأنها أن تزحزحه عنه قليلاً أو كثيرًا ؛
فلم يُؤثـّر فيه العزّ النسبي ، والمجد القبلي، والشرف القومي ، والرفعة العشيريّة
، والبرّ والدلال وحسن السلوك المنقطع النظير الذي ناله من قبل الأقارب والأعمام
والجدّ وأبناء العشيرة وبني القوم؛ ولم تؤثـّر فيه المطامع الكبيرة التي منّاه بها
قومه لقاءَ أن يتنازل عن الحق الذي أتاهم به ، أو يرضى بتبادل «المنافع» ويأخذ أشياء ويترك أشياء.
إنّ صمود محمد ﷺ أمام أمثال هذه المغريات والمطامع من المفاخر النسبية
والرياسة القومية ، والمجد المتوارث ، والشرف المُؤَثــَّل ، بالنسبة إلى التنازل
عن الحق ، وعدم الثبات عليه ، كان ولا زال وسيظل أجدر بالتسجيل والائتساء ،
والإعجاب والثناء ، والتقليد والاقتداء ، لمن كان يؤمن بالله واليوم الآخر ويؤمن
به نبيًّا ورسولاً . إنّ موقفه هذا قد كان أصعب حقًّا من موقفه تجاه الترهيب
والإيذاء وصنوف الإهانة والسخرية التي نالته بها قريشٌ وكفار مكة منذ أن أُمِرَ من
ربّه أن يصدع بالحق ويجاهر برسالة الله .
وإذا كان محمد ﷺ ، جميعُ حركاته وسكناته وتصرفاته ، فيها أسوة حسنة
للمؤمنين ، فإنّ موقفه هذا فيما يتعلق بالصمود أمام أمثال هذه المغريات ، والثبات
على الحق والإصرار على الدعوة إليه ، وإيثار الحق على جميع مقتضيات القرابات
والأواصر وما ينبع منها من عواطف الحنو والعطف والبر ، وحسن السيرة وجمال السلوك ،
وطيب العشرة ، ولطف الاجتماع ، والمعاملة اللائقة .. إنّ موقفه هذا أجدر بالائتساء
في هذا الزمن الذي تكاثرت فيه وتواصلت المغريات الداعية إلى نبذ القيم ومحاربة
الدين ومعاداة الإسلام ووصفه بتهم لم تخطر من الشيطان على بال ولم يفكر فيها في
حال؛ ولكن جاهلية هذا العصر المُثَقَّفة المُسَلَّحة بالعلم والتكنولوجيا الحديثة
ومُعْطَيَاتها المتزايدة شَنَّتْ ضدّ كل شيء يمتّ إلى الدين بصلة ، حربًا شعواء
بأسلحة ومُعَدَّات أَنْتَجَتْها بالعلم الحديث ومُعْطَيَاته الجديدة .
تَسْتَجِدّ
اليوم المغريات ضد الدين الإلهي ، وتتنوع وتتمثل في مظاهر حضارية ، وملامح ثقافية،
وأساليب يوصف من أبناء الشيطان بأنها التنور والتحضر ، والتمدن والتقدم ؛ فمن لم
يَتَبَنَّها فهو وحشيّ بدائي متخلّف رجعيّ بدويّ متنكر للتمدن .
إنّ
الزمان كأنه استدار اليوم كهيئته في الماضي يفيض بمطامع ومغريات محرضة على دين
الله بأساليب الرفق واللطف ، والعطف والتودّد ، إلى جانب أساليب المؤامرة والمكر ،
والدهاء والدسيسة ، والمعاداة العلنية ، والمحاربة الجهرية ، والتحدي المكشوف .
فالكيس منّا من يأتسي بمحمد ﷺ ، ولا يخضع لأيّ من الدواعي ، مهما كان جميل المظهر، لطيف
المعشر ؛ لأن الحق أحق أن يُتَّبَع ، وأن الرجوع إليه أحقّ من التمادي في الباطل ،
مهما كان ناعم الملمس ، لامع المظهر؛ ولأننا أُمِرْنا بالتزام ما أمرنا الله به
ونهى عنه ، ولأن شريعة الله فوق جميع الاعتبارات ، ولأن دينه أجل وأعلى ، وأسمى
وأغلى، من جميع المنافع العاجلة ، والمكاسب الزائلة، والأغراض الرخيصة ، والمطامع
المادّية ، والسمعة الدنيوية ، وأشكال العزّ والجاه الفانية .
مشوارُ الحياة الطويل ، وطريقها الوعرة ذات
المنعطفات الكثيرة ، والملتويات العديدة ، قد يجعلاننا نحن المسلمين قد نتعب أو
نعجز عن السير على الجادة ، فننحرف يمينًا أو شمالاً، أو نترك الصراط المستقيم ،
إلى طرق كثيرة معوجّة معقدة ، فنصاب بجروح غائرة في الأقدام ، وقد نسقط في الهاوية
، فنلقى مصرعنا الديني ومقتلنا الإيماني .
ينبغي
أن نستحضر كل وقت كيف سار سيدنا النبي الأعظم والرسول الخاتم محمد ﷺ
ملازمًا النهج المستقيم ، لم تنحرف به العواصف الهوجاء عن الجادة قيد شعرة ، ولم
تنل منه الفتن بكل أنواعها أيّ منال ، ولم يفعل فيه الترغيب أو الترهيب أيّ فعل ،
ولم تؤثر فيه المطامع مهما علت أوغلت أيّ تأثير ، ولم تزلزله السخرية والإيذاء أي
زلزال .
يجب
أن نظل طُلاًّبًا للحق ، مهما تضخم الباطل وانتفخ ، وأزبد وأرعد ، وأخاف وأرهب،
وتسلح بالعلم ، وتدجج بالأسلحة ، ونبا بنا الزمان ، وعدا علينا المكان ، وتقلّب
الميزان ، وبدا الباطل حقًّا والحق باطلاً ، وأصبح الصديق عدوًّا، والقريب بعيدًا
، وتنكّر المتعارف، وصار الأهل أجانب . وقد ضرب لنا محمد ﷺ
المثل الأعلى بجميع مواقفه ، وكل أحوالـه ، وكل نوع من أعماله في السرّاء والضراء
، والسلم والحرب ، والأمن والخوف ، والحياة الفردية والجماعية ، وفي السوق
والمسجد، وفي البيع والشراء ، و فيما يتعلق بالصديق والعدو ، والأقارب والأجانب ،
والمسلم والكافر.
وصدق
الله جلّ وعلا :
«لَقَدْ
كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُوا اللهَ
وَالْيَوْمَ الآخرَ وَذَكَر اللهَ كَثِيْرًا»
(الأحزاب/21) .
(تحريرًا
في الساعة 10من صباح يوم الثلاثاء 2/ ربيع الأول 1426هـ = بسيارة مفخمِّلاً في
الاغتيال 12/أبريل 2005م)
نور عالم خليل الأميني
*
* *
مجلة الداعي الشهرية
الصادرة عن دار العلوم ديوبند ، الهند . ربيع الأول – ربيع الثاني 1426هـ = أبريل
– يونيو 2005م ، العـدد : 4–3 ، السنـة : 29.